Thursday, February 17, 2011

قصة ميدان

كانت اقصى احلامي لا تتعدى تشجيري أو فرشي بالحشيش وربما تمنيت لو ان لي رصيفا متقنا ويا ليت لو كان الهواء حولي نقيا صافيا خاليا من عوادم السيارات والناقلات، ثم جاء هذا اليوم ..يوم 25 يناير، ما الذي يحدث؟ ما هذا الكم الهائل من البشر؟ انهم يتجهون نحوي انهم يقصدونني بالذات، انهم يرددون هتافات "الجدع جدع والجبان جبان، اللي بيحب مصر ياللا عالميدان"، ما هذا هل سأصبح مكانا يتجمع فيه كل من يحب مصر وا فرحتاه، ولكن كل ما كنت احلم به واتمناه سيذهب ويضيع، كل هؤلاء البشر سيدوسوني بأحذيتهم وسيلقون بمخلفاتهم وسيقلعون اشجاري وحشائشي وسيدمرون ارصفتي غير المتقنه ولكنها موجوده على الاقل،  لا حول ولا قوة الا بالله، هناك من يتبعهم هناك جنود مدججون بالسلاح، آه ما هذه الرائحه اشعر بالاختناق كمٌ هائل من الغازات الخانقه، حتى هوائي الذي حلمت بنقائه اصبح خانقا وما هذه الاصوات المفزعه ما بين طلقات ناريه الى صافرات سيارات الاسعاف، يا رب كن معي، مساكين هؤلاء الشباب والشيوخ والنساء وايضا الاطفال، لقد كان كل ما يريدون ان يتجمعوا في طرقاتي وحدائقي وشوارعي فقط ليقولوا لي انت رمز حب مصر انت ميدان التحرير.
آه فهمت .. ان الجو الملوث هو من الغازات المسيلة للدموع التي اطلقها هؤلاء الحاملين للسلاح وسيارات الاسعاف تنقل المصابين من الناس، اني خائف، ولكن هؤلاء الناس أبوا ان يتركوني وحيدا خائفا، لقد قرروا المبيت معي هذه الليله، ولكن ماذا عن برودة الجو؟ وهذه الرائحه هل ستتحملون؟ ما الذي يفعله هؤلاء اظنهم يسمعونني اظنهم يفهمونني! انهم ينظفون كل مكان ويحافظون على كل ممتلكاتي الحمد لله وشكرا لكم، الان فهمت انتم احبتي واحبة هذا الوطن لانكم لا تخربون ولا تدمرون، ترى ماذا سيطلع به النهار؟
صار المشهد نفسه يتكرر وكنت اظن ان الناس ستنفض من حولي ولكن يالعجبي انهم في ازدياد وان اصرارهم في قوة، انه يوم الجمعه لم اكن اعرف حجمي الحقيقي حتى استطعت ان استوعب وقوف اكثر من مليون شخص اني اضمهم بحب، اصواتهم تتعالى وتنخفض، يقفون في مجاميع ولكن قلوبهم على قلب رجل واحد، يعبرون عما بداخلهم بطرق مختلفه، فهؤلاء يصلون ويدعون، واخرون يرقصون ويغنون، ومجموعات تكتب وترفع يافطات للتعبير، وهناك من يلقي محاضره وله مستمعون، وذاك يرسم وهذا يصور او يحاور أويدلي برأي لصحيفة او قناة تليفزيونية او من يحمل راديو يحاول منه معرفة اي خبر يعلنه على الجمع، ثم مليونيات اخرى تتكرر بنفس الطريقة، حتى يوم الثلاثاء المليوني الذي اتسم بهدوء لم يخلو من طائرتان حربيتان تنخفضان وترتفعان لم تزلزل في النفوس شيئا، اعجب لهذا الجمع الغفير كيف انه يحب بعضه بعضا ويؤثر غيره على نفسه في اكل او شرب او جلوس.
مضى اليوم على خير ذهب من ذهب وبقي من بقي، ولا ازال انظف مما كنت عليه، توالت الايام والاعداد في ازدياد، نحن في منتصف يوم الاربعاء التالي للوقفه المليونية، لا اصدق ما ارى واحس! هل ارى خيولا وجمالا وسيوفا؟ هل عاد الزمن بي الى الوراء؟ ولكني لم اكن موجودا لا في غزوة بدر ولا احد! ولكن هؤلاء هم الكفار لقد سمعت قصصهم تروى من الاباء للابناء، كيف اتوا وماذا يريدون؟ انهم يتقدمون سريعا انتبهوا يا احبتي، انهم يحملون اسلحه، احجارا كبيرة، وسيوفا، وقنابل مولتوف، غير اشكالهم المرعبه، واجسادهم الضخمة، احبتي.. لقد كنت احلم برصيف متقن غير هذا، كسروا ارصفتي استعملوا حجارتي في الدفاع عن انفسكم، ارى في عيونكم الحزن لانكم لا تريدون تخريبي ولكن انا الذي آذن لكم بذلك، زودوا عن انفسكم بأي شئ موجود، ما شاء الله انهم يعيدونهم للخلف، ولكني حزين لمن يتساقط منهم شهيدا او جريحا او مصابا.. لماذا لا يأتي احد لمساعدتهم؟ اين الدولة التي كانت ملأ السمع والبصر؟ كيف اختفت في هذا الوقت العصيب؟ ولكن الله يرسل ملائكته لتساعدهم انني اكيد من ذلك، استمرت المعركة والتي اسموها موقعة الجمل طوال الليل وجزء من النهار والبواسل اشد اصرارا وعزيمة، حماهم الله بجند من عنده رغم انهم عزل وعدوهم معه السلاح والقناصه.
الاعداد لا تقل بل تزداد، المعنويات في ارتفاع، الامال تتدفق ومعها الالام، الصيحات تتعالى ومعها المطالب التي تأبى الان الا برأس الافعى ومعها كل الذيول، اليوم الخميس انهم يغنون اغاني النصر، يبدو ان فرج الله قريب انهم ينتظرون البيان بفارغ الصبر، وفي مكبرات الصوت يدوي صوت الظلم ليكسر القلوب فتزداد الاصوات ارتفاعا تنادي بالرحيل "ارحل ارحل" ثم الاصرار فتخرج الملايين في اليوم التالي وتنتشر في كل مكان وبعد اذان المغرب تعلو صيحات الفرح والتهاني والتبريكات والاحضان والقبلات لقد قطع رأس الافعى واستمرت الاحتفالات طول الليل ومع بزوغ فجر اليوم التالي بدأت حملة مكثفة لاعادتي كما كنت احلم واتمنى رغم ان هذا لم يعد مطلبي الان بعد ما عايشته مع هذا الشعب العظيم فعلى ارضي سقط شهداء، اصبح لهم نصب تذكاري، كيف تكون امنياتي محصورة في اشجار وحشائش ورصيف، لقد حصلت على وسام الحرية، واصبحت رمزا لثورة شعب، انا الان ميدان التحرير والحرية والشهداء وثورة 25 يناير، ولن انسى بعد اليوم.