Thursday, March 3, 2011

مشاعر الثورة

ليت المشاعر كانت شئ يمكن الاحتفاظ به، كنت احتفظت بكم من المشاعر الكثيرة التي مرت بي ايام الثورة، ولكن شاءت ارادة الله وقدرته ان نشعر بها ثم تمر، نعيشها ونعيش غيرها، نحس بها وننساها، لا اعرف كيف يمكن كتابة المشاعر، انها احساس لا يمكن وصفه او نقله، ولكن من جلل ما حدث اريد ان احاول الاحتفاظ بهذه اللحظات والساعات والايام، ليتني استطيع ان احتفظ بها بداخلي واسترجعها كلما اردت، ليتني استطيع ان انقلها حرفيا لاجيال تأتي من بعدنا يكون ما حدث تاريخ بالنسبة اليهم، ولكنها مهما حاولت فهي كلمات لن تصل بأي حال الى المشاعر التي مهما وصفت فلن اصل لوصف دقيق ولن استطيع نقلها.
في البداية والكل يعلم بدأت في اليوم الاول باطلاق الغازات المسيلة للدموع  وخراطيم المياه وسط هتافات الجماهير باسقاط النظام، لم اذهب في هذا اليوم ولكن نقل لي زوجي واخي الصورة، عندما عاد زوجي في وقت متأخر في ال25 من يناير ناقلا ما حدث من محاولات قمع من جانب الشرطه، شعرت وقتها بالحنق على هذا النظام الفاسد، ثم شاهدت اخي ممسكا بمكبر الصوت على قناة الجزيره يحشد الجموع ويخبرهم بطلبات الثورة ويحثهم على الصمود، فشعرت بالحماس، ثم استمرت الحركة في اليومين التاليين وفجأة بدأ النظام يستأسد .. بداية بالشوشرة على الفيس بوك وكان هذا اول شعور حقيقي شعرت به وهو نوع من الغيظ، ولكن سرعان ما ارسل الشباب كيفية التحايل وفتح الصفحه من جديد، وما هي الا ساعات حتى اوقف الانترنت تماما،  فقررت النزول في جمعة الغضب مع زوجي ومعي ابنتي الصغيره تقى، وما ان اصبح الصباح حتى فوجئنا بقطع اتصالات الموبايل، انها اذن حرب علنية، هنا وهنا فقط جاءني هذا الشعور العظيم، اننا خارجون للجهاد، لم افكر فيما يمكن ان نواجه او ما يمكن ان يحدث، كان شعور غريب بالشجاعة والتحدي.
تلقينا الكثير من الغازات المسيلة للدموع التي ارهقتنا، ولكن كان هناك شعور غريب مع كل زجاجة خل يرمي بها ساكن من شرفته لانها تخفف من آثار الغاز، مع كل كمامة او منديل يتبرع به احد المتظاهرين للاخر، مع كل حائط يصنعه الرجال بأجسادهم لحمايتنا نحن النساء خلفهم حماية لنا من خراطيم المياه المتدفقه، لم يكن هناك اي شعور بالخوف، لكنها كانت سعادة وتحد وشعور بالقوة، قوة الوحدة، وليس قوة التحصن او التسلح، فما كنا نحمل سوى زجاجات الخل والكمامات، حتى بات الشعار (الخل هوه الحل)، حتى مع ضرب الرصاص المطاطي لم نشعر بالخطر، بعد عدة ساعات من الجري واعادة المحاولات قرر زوجي ان اعود انا وابنتي للبيت وسيكمل هو المسيرة، وعدنا بتاكسي، وبعدها مباشرة قرر الشباب الاصرار على كسر الحواجز الامنية واكمال المسيرة، عندها حدث ما كان من حرق لاقسام الشرطة، مع اختفاء الشرطة من كل مكان في البلد، وتم فتح السجون واخراج المساجين في نية مبيتة لنشر الرعب في قلوب السكان حتى ينشغلوا بحماية بيوتهم وممتلكاتهم عن التظاهر والمطالبة بحقوقهم، ولكن ما حدث لم يكن في صالحهم بل انقلب ضدهم فقد اشعلوا القلوب كرها وحنقا عليهم، ولكن الكثير من الشعب فزعوا وروعوا حقيقة.
ان المشاعر متضاربة ومتحولة فحينا نشعر بالاطمئنان وتارة بالتوتر ومرة بالحيرة، ولكن ابدا لم نشعر بالخوف او التردد او الضعف، حتى في اصعب الاوقات في موقعة الجمل التي تلت الثلاثاء المليونية حيث قل عدد المتظاهرين لاخذ قسط من الراحه استعدادا للجمعه المليونية كانت ليلة كثر فيها الدعاء والاستغفار والاحتساب، خاصة وقد انقطعت معظم الاتصالات حيث كانت الموبيلات تفقد شحنتها بنهاية اليوم، لم اكن اعلم من سيعود لبيته وكيف سيكون حاله؟ فالكثير فقد عينا او اصيب او قتل، ولكنه كان شعور الجهاد الذي لا يمكن وصفه...
وبنزول الجيش ووجود الدبابات في كل مكان وما احاط ذلك من شائعات بقرب اعطاء اوامر للجيش بضرب المتظاهرين كان الشعور بالمجهول، كان الكثير ممن حولي اصدقاء واقارب في توتر شديد وقد تعالت نبرة الحوار بين الجميع فالكل مروع غير آمن، ولا احد يمكن ان يجزم بما سيحدث، لحظه واحده فقط شعرت بالرهبه وقت مرور طيارتان حربيتان على مستوى منخفض فوق الرؤس وتكرر ذلك عدة مرات لم يكن خوفا ولكنه رهبة.
اما الشعور القاتل الذي مررت به فهو اختفاء زوج اختى العزيز، بالرغم مما كان داخلي من شعور اكيد يؤكد لي كل يوم وكل لحظه انه بخير وسيعود سالما وقد كان والحمدلله، ولكن مرت الايام الخمس عشرة ثقيلة على نفوسنا ولكن لم يثنينا ذلك عن الاستمرار.
بقي شعوران يوم التنحي ويوم التخلي يوم الخميس 10 فبراير فجأة علمت من اخي محمد ان هناك اعتقاد بتنحي الرئيس اليوم، بسرعة تابعنا الاخبار وفعلا اصبح هناك تداول لاقوال بتنحي الرئيس قررنا انه لا بد من الاحتفال في ميدان التحرير بهذه اللحظه الفريده، فذهبت انا وتقى مع عمر وعبير اولاد اخت زوجي ومعنا اعلام مصر وفي اثناء دخولنا للميدان كان ضباط الجيش يهنؤونا بما لا يدع مجالا للشك، وهتفنا وغنينا جميع الاغاني الوطنية وكانت السعاده غامرة تشع من العيون والقلوب، وبقينا لساعات في انتظار الخطاب المعلن عنه، مكبرات الصوت موزعة في جميع انحاء الميدان، هنا خطاب وهناك كلمة او شعر او رأي، ومنذ بدء الخطاب سكنت الملايين في انصات تام انتظارا لسماع كلمة معينة، وبعد دقائق ادرك الجميع ان الخطاب آخذ اتجاه ومنحى مغاير، قطع السكون كلمة واحدة مليونية هزت الارض والجو (ارحل .. ارحل) وانقلب الفرح المنصوب الى ثورة من جديد فيها الغضب والتحدي والاحساس بالظلم والاصرار على الاستمرار حتى تحقيق المطالب، اليوم التالي كان مليونيا وهو الجمعه 11 فبراير، اضافة الى نية التصعيد بمحاصرة مبنى التلفزيون وقصر الرئاسة، وقد كان.. الصبح رحنا الميدان، ومنه الى مبنى التلفزيون، ثم الى القصر وبعد ان قضينا ساعات عند القصر وبعد صلاة المغرب جاء البيان المنتظر دون ان ننتظره فكانت الفرحه غامرة لا يمكن وصفها، كنا نقفز ونهتف ونسلم بالايدي والاحضان والقبلات فقد جاء نصر الله (حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ومن هنا بدأت المشاعر والفرحه في الانتشار واختلفت طرق التعبير فكان كرنفال حقيقي في كل شبر على ارض المحروسه، واخذنا ننتقل من مكان لاخر لنرى الفرحه والاحتفالات بكل الاشكال والالوان.

1 comment:

Unknown said...

فعلا انها ايام جميلة
واحمد الله اننا كنا جزء منها
نفسى اجد الوقت وانظم الاحداث من خلال عدستى التى احبها
الصورة المرفقة يوم 25 بداية الثورة
يومها شعرت ان شئ تغير فى الشعب
ولكنى لم اتصور ان تنتهى كما انتهت
مشاعر كثيرة ولكنها بحلوها ومرها كانت ايام لا تعوض